Alfatat-Elmouslima
اهلا وسهلا بك في منتداك اتمنى ان تستفيد وتفيد من خلال هذا المنتدى ويهتم بكل امورالدين التي تهم المسلم والمسلمة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

Alfatat-Elmouslima
اهلا وسهلا بك في منتداك اتمنى ان تستفيد وتفيد من خلال هذا المنتدى ويهتم بكل امورالدين التي تهم المسلم والمسلمة
Alfatat-Elmouslima
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ما هو القلب

اذهب الى الأسفل

ما هو القلب Empty ما هو القلب

مُساهمة من طرف Admin 24/7/2010, 15:30

ابدأ هذا الباب بسؤال: قد يقوم إنسان بعملية زراعة قلب، ويحيا بقية حياته بقلب رجل آخر، فهل تتغير مشاعره وتتبدل أفكاره وعواطفه تبعاً لهذا القلب الذي زرع فيه؟!

كلا، فالمشاهد أنه لا يتغير دينه ولا محبته لأهله وقرابته، وهذا دليل دامغ على أن كل ما يظنه الناس من وظائف القلب ودوره في الحب والعاطفة، واعتباره مركز الفكر ومواطن العقائد والسلوك مسألة فيها نظر، فهل يتعارض هذا مع ما ورد في القرآن والسنة من ذكر القلب مرتبطاً بهذه المعاني؟!

لقد استطاع الإمام أبو حامد الغزالي ان يحل هذه الإشكالية ويميز بوضوح بين المعنيين اللذين يختلطان في اذهان كثير من الناس, فقال رحمه الله في كتاب عجائب القلب من موسوعته القلبية (إحياء علوم الدين) كلاماً كالبشرى بالولد الكريم يُقرع به سمع الشيخ العقيم وجاء فيه:
"لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين:

أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل، المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وهو لحم مخصوص، وفي باطنه تجويف، وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه، ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته، إذ يتعلق به غرض الأطباء، ولا يتعلق به الأغراض الدينية، وهذا القلب موجود للبهائم؛ بل موجود للميت, ونحن اذا اطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك، فإنه قطعة لحم لا قدر له, وهو من عالم الملك والشهادة، إذ تدركه البهائم بحاسة البصر فضلاً عن الآدميين.

والمعنى الثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب، ولها علاقة مع القلب الجسماني" (الإحياء: 3/3).

والمقصود انه إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب أردنا به المعنى الثاني، وهدفنا هو ذكر أوصاف الروح وأحوالها التي تعتبر سراً مغلقاً، والتعرض لأصناف النفوس وتقلباتها رغم انها أمر مبهم، ورغم ان آيات وأحاديث القلب قد يشتبه في بعضها الأمر ويتبادر الى الذهن أنها مرتبطة بالقلب العضلي، إلا أن المقصود منها على الحقيقة: القلب المعنوي، كما قال الإمام الغزالي: "وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلب، والمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان، ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يُكنَّى عنه بالقلب الذي في الصدر; لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة" (السابق: 3/5).

لكن لماذا الحديث عن القلب بالذات دون سائر الأعضاء؟!، لقد أحصيت في هذا الباب عشرين سبباً لهذا، وتبدأ بما يلي:

1-إنه الملك:

القلب أمير الجسد وملك الأعضاء, فهو راعيها الوحيد وقائدها, وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر, فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره, ولا يستعملها في غير ما يريد, فهي تحت سيطرته وقهره, ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ, وبين القلب والأعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا الى الآخر, فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور, وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور, وإذا سعت القدم الى الحرام فسعي القلب أسبق, لهذا قيل عن المصلي العابث في صلاته: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه", وقال صلى الله عليه وسلم لمن يؤم من المصلين: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» [رواه أحمد ومسلم والنسائي], فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب, والخلاصة: القلب هو خط الدفاع الأول والأخير, فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!

وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَرَ, وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن, وإذا بكت العين فلأن القلب أمر, فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق, وعلى اليد إذا كتبت, وعلى الأقدام إذا مشت, وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه: «مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» [رواه البخاري ومسلم], وتوجه أول ما توجه إليه ليربيه ويهتم به ويزكِّيه. فكل الأفعال مردها إلى لقلب وانبعاثها من القلب, وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب" (الزهد لهناد:1/438)

هدف الحبيب الأول

قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "انما نزل أول ما نزل منه(القرآن) سورة من المُفصّل فيها ذكر الجنة والنار, حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام, ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا, ولو نزل: لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا" [رواه البخاري]

فقد حرَّم الله الخمر في العام الثاني من الهجرة أي بعد البعثة بخمسة عشر سنة, وفرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة كذلك, وفرض الحجاب في العام السادس من الهجرة بعد تسع عشرة سنة من بعة النبي صلى الله عليه وسلم, وهي كلها تكليفات تأخر نزولها حتى زكى القلب ولان وتمكَّن منه الحق واستبان.

ولشرف القلب جعله الله أداة التعرف عليه ووسيلة الإهتداء إليه, بل إذا غضب الله على عبد كان أقصى عقوبة ينزلها به أن يحول بينه وبين قلبه, وحيلولته هي أن يحرمه من معرفته وقربه, لذا كان الاهتمام به تعبير عن الاهتمام بالأهم عن المهم وبالأصل عن الفرع.

2- الهدف المشترك

وقد أدرك الشيطان دور القلب ومكانه فلم يضييع وقته في معارك جانبية او مناوشات هامشية, بل صوب جهده نحو هدف واحد وغاية ثابتة. قال ابن القيم: "ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه; أجلب عليه بالوساوس, وأقبل بوجوه الشهوات إليه, وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصده عن الطريق, وأمدَّه من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق, ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق" (اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان:ص10)

فالقلب هو الهدف المشترك بين الملك والشيطان, كلاهما يستهدفه, فهو موضع الصراع, والنقطة الملتهبة, وساحة القتال, وأرض المعركة, ونتيجة هذه المعركة: إما هداية القلب وحياته, وإما قساوته وموته وهلاكه, فواعجباً ممن أخذ نصيحة العدو, وردّ وصية الحبيب, واشترى صداقة الشيطان بعداوة الملائكة, وأعلن الحرب على ما تبقى من إيمانه بالتعاون مع عدوه اللدود, وهي صيحة التعجب التي سبق وأن أطلقها ابن الجوزي حين قال: "كيف طابت نفسك أن تكون ظهيراً لفئة النفس على فئة القلب, وفئة القلب مؤمنة وفئة النفس كافرة؟!" (التذكرة:ص197)

عن الجوارح مختلف

وقد يقول قائل: لكن الأعضاء والجوارح كذلك مستهدفة من قبل الملائكة والشياطين, فما الفارق بينها وبين القلب؟!

وأقول على لسان أبي حامد الغزالي الذي بيَّن الفارق الجلي في قوله:
"العوارض له أكثر, فن الخواطر له كالسهام, لا تزال تقع فيه, وكالمطر; لا تزال تمطر عليه ليلاً ونهاراً لا تنقطع, ولا أنت تقدر على منعها فتمنع, وليس بمنزلة العين التي بين الجفنين, تغمض وتستريح, أو تكون في موضع خال, أو ليل مظلم فتُكفى رؤيتها, أو الليان الذ وراء الحجابين: الأسنان والشفتين, وأنت قادر على منع وتسكينه, بل القلب غرض للخواطر, لا تقدر على منعها والتحفظ عليها بحال, ولا هي تنقطع عنك بوقت" (منهاج العابدين:ص95)

3- طهارته شرط الدخول

والسبب الثالث في أهمية القلب أن طهارته شرط دخول الجنة, لذا ذم الله خبثاء القلوب فقال: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:41], والآية دليل دامغ على أن من لم يطِّهر قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة, ولذا حرَّم الله سبحانه الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من خبث, قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [رواه مسلم]

ولا يدخلها أحد إلا بعد كمال طيبه وطهره, لأنها دار الطيبين, ولذا يُقال لهم وهم على مشارف الجنة: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]

ويبشرون عند موتهم دون غيرهم على لسان الملائكة الكرام: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]

قال ابن القيم: "فالجنة لا يدخلها خبيث, ولا مَن فيه شيء من الخبث, فمن تطهَّر في الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاسته دخلها بغير معوِّق, ومن لم يتطهر في الدنيا; فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال, وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة, ثم يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار, فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة, ولم توجب لهم دخول النار, حتى إذا هُذبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة" (إغاثة اللهفان:ص71)

من أجل ذلك جاء الأمر الرباني جازماً للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]
قال ابن القيم: "وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على ان المراد بالثياب ها هنا القلب, والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق" (إغاثة اللهفان:ص67)

النجاسة الكبرى

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]

فعبر سبحانه وتعالى عن نجاستهم بالمصدر للمبالغة; وكأنهم عين النجاسة لأن خبائث الباطن أولى بالاجتناب وهل أخبث من الشرك؟! فإن خبائث القلب مع خبثها في الحال مهلكات في المآل, ومعنى آخر: هو أن الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظاهر, فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس القلب, وهذا الذي ذهب إليه أهل المذاهب الأربعة الى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحل طعامهم, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله وقوله, فأكل في آنيتهم, وشرب منها, وتوضأ فيها, وأنزلهم في مسجده.

وإضافة الى هذا; فالنجاسات المعنوية ليست على درجة واحدة بل تتفاوت, وليس محلها قلوب الكفار فحسب, بل قد توجد في قلوب المسلمين, فالغضب والكبر والحسد وغيرها من أمراض القلوب نجاسة, وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد قال: «لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة» [رواه البخاري ومسلم], فإن أبا حامد الغزالي قد تأمل في هذا الحديث تأملاً قد يكون بعيداً عن الظاهر لكنه ذو دلالة فقال: "والقلب بيت هو منزل الملائكة, ومهبط أثرهم, ومحل استقرارهم, والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة, فأنَّى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب, ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة, وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء, وهكذا ما يرسل من رحمة العلوم الى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها, وهم لامقدسون المُطهَّرون المُبرَّءون عن الصفات المذمومات, فلا يلاحظون إلا طيبا, ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله إلا طيبا طاهرا" (الأحياء:1/49)

4- موضع نظر الله

من القلوب قلب كقبور الموتى ظاهرها الزرع والورد وباطنها الجيف والموت, أو كبيت مظلم على سطحه سراج وباطنه ظلام, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في هذا: «ان الله لا ينظر الى صوركم وأموالكم, ولكن إنما ينظر الى أعمالكم وقلوبكم» [صححه الألباني]

إنها حياة القلب وإن كانت البطون خاوية والثياب بالية, وقد أبان الحديث أن القلب هو موضع نظر الرب, فلا عبرة إذن بحسن الظاهر مع خبث الباطن, فاعجب ممن لا يعتني بمظهره وهندامه الذي هو محل نظر الخلق; فيغسل ثوبه ويعطَّره, وينظف بدنه ويطهِّره, ويتزيَّن بما أمكن, لئلا يطَّلع مخلوق على عيب فيه, ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق; فيطهِّره ويزيِّنه لئلا يطلع ربه منه على دنس أو خبث أو أحد غيره.

ومعنى آخر من الحديث قاله ابن الجزري: "النظر ها هنا الاختيار والرحمة والعَطف لأنَّ النظر في الشاهد دليل المحبة, وترك النظر دليل البُغض والكراهة" (النهاية في غريب الحديث والأثر:5/77)

وتأمَّل ما يلي لتعلم أهمية القلب:

إن العمل قد يكون ظاهره العصيان وصاحبه مثاب, كأن ينطق الرجل بكلمة الكفر مُكرَها وقلبه مطمئن بالإبمان, أو يشرب مُسكِرا بغير رضاه, وفي المقابل قد يكون ظاهر العمل الاحسان وصاحبه في النار, كأن يُقتل المرء في ساحة قتال ليتغني الناس بشجاعته, وينفق ماله في طرق الخير ليُثني الناس على كرمه, ويقرأ القرآن ليلفت إليه أعناق الغير, والقلب في كل هذه الأحوال واقف وحده في قفص الاتهام أو مُسجَّل بأزهى الحروف في لوحة الشرف.

مذنب وبريء!!

وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا عملت الخطيئة في الأرض؛ كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، و من غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها» [رواه ابو داود وحسنه الألباني]

سبحان الله! غائب عن ساحة الجريمة لكنه أول المتهمين واسمه في سجل المذنبين, وآخر حضر الجريمة بنفسه ورآها بعينه ومع ذلك يأتي الحكم له بالبراءة!! والسبب في ذلك كله القلب الذي أنكر فسلِم أو رضي فأثم.

وفي الحديث بشارة ونذارة; بشارة لمن اضطر الى حضور مجلس يُعصى الله فيه ولم يستطع أن ينكره بيده أو بلسانه بل ولم يقدر حتى على مغادرة المكان; فيقوم القلب بالواجب وينبري للإنكار, ونذارة لرجل أراد الله له الخير فأبى لنفسه إلا الشر, وعصمه من المنكرات فأبى إلا التلطخ بها, وصرف جسده عن مكان الإثم فسافر إليه بقلبه وروحه فعرقب بمساواته مع مرتكب الجرم.

إنه القلب حين يزني!! نعم يزني, ومع شدة وقع هذه الكلمة على النفس إلا ان الذي أطلقها هو من وصفه ربه أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم, ومن رحمته ورأفته بأمته تحذيره الصريح لها بقوله: «وزنا القلب: التمني» [رواه أحمد]. قال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا: "زنا القلب التمني: أي يهوى وقوع ما تحبه النفس من الشهوة" (الفتح الرباني:16/73)

إن للقلب كسباً ككسب الجوارح وعملاً كعملها, والله سبحانه أعلن أنه يؤاخذ على كسب القلب ثوابا وعقابا, فقال سبحانه: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة:225]

ويشهد لعمل القلب هذا وأن الله يحاسب العبد عليه حديث: «اذا التقى المسلمان بسيفيهما , فقتل أحدهما صاحبه, فالقاتل والمقتول في النار» قيل: "يارسول الله!! هذا القاتل فما بال المقتول؟" قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه» [صححه الألباني]

فدخل هذا المسلم النار بشيء وقر في قلبه وهلك بسبب عمل قلبي; ليس غير.

الظاهر والباطن!!

نعم.. صورة القلب هي الأصل, فإن وافق الظاهر الباطن كان ما في القلب حقيقيا, وإن خالف الظاهر الباطن كان ما في القلب مزيفا, وعلى القلب أيضا يتوقف صحة الظاهر أي قبوله عند الله, أما عند الناس فإنهم مكلَّفون بقبول الظاهر فحسب والحكم على أساسه والله يتولى السرائر, ومن هنا كان مقصد الشهادتين هو توجيه رسالة ملموسة الى الناس بإسلام الناطق بها, في حين أن الله وحده هو المطلع على غير الملموس من محتوى الباطن, وقد نطقت ألسنة المنافقين بالشهادتين, فعصمت دماءهم في الدنيا, لكن مستقرهم في النهاية هو الدرك الأسفل من النار بما حوت قلوبهم
واسمعوا إلى ارتباط الظاهر بالباطن في قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31], فإن حب الله في القلب يورث اتباع الجوارح ولا بد; وإلا كان ادعاء وكذبا وزورا.

5- النافع الوحيد

قال عز وجل: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88،89]

فلا القول ينفع ولا العمل يشفع بل سلامة القلب هي أصل كل نجاة؛ كما أن فساده أصل كل بلية، لكن ما هو القلب السليم؟!

والجواب: هو القلب الذي سلم من كل شيء إلا من عبوديته لربه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر؛ فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يُمدح به" (الفتاوي الكبرى:5/249)

وتأمل كيف جعل الله المال والبنون بمعنى الغنى، كأن المعنى: يوم لا ينفع أحد غناه إلا غنى من أتى الله بقلب سليم؛ لأن غنى الرجل الحقيقي هو في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وولده، وعلى هذا يكون من معاني القلب السليم أي من فتنة المال والبنين.

لكن تلميذا نجيبا من تلامذة ابن تيمية أفاض في شرح معنى القلب السليم؛ يبغي بذلك إزالة أي لبس أو غموض حتى يسهل الوصول إلى المراد، فقال الإمام ابن القيم:
"والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مرده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد، ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص، وهذه الخمسة حُجُب عن الله" (الجواب الكافي:ص84)

وفي آية سورة ق: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ(32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [ق:32،33]

وتأمل قوله تعالى في سورة الشعراء: {أَتَى}، وفي ق: {وَجَاء}، وكأن المعنى الذي يريد أن يوصله لك ربك: ائتني بقلب سليم وجئني بقلب منيب تنجُ من عذابي وتنل رضائي، فأنت يا أخي وحدك الذي تملك أن تأتي بمثل هذا القلب وليس أحد غيرك.

وفي المقابل قد يدخل عبد النار بسبب قلب كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]

بل إن حال العبد في قبره ما هو إلا انعكاس لحال قلبه في الدنيا كما قرَّر ذلك ابن القيم وهو يزيدنا في كتابه زاد المعاد: "فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيما وعذابا وسجنا وانطلاقا". (زاد المعاد:2/22)

6- بيت الإيمان والتقوى:

قال خبير القلوب وكاتم سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما، وأنا انتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جِذر قلوب الرجال، ثم عملوا من القرآن، ثم علموا من السُّنة، وحدَّثنا عن رفعها قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه،..»" [رواه البخاري]

والأمانة المذكورة في الحديث هي الأمانة التي جاءت في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]، وهي عين الإيمان، فالأمانة هنا هي الإيمان، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الايمان نزل أول ما نزل في القلب تعبيرا عن الفطرة السوية التي يولد بها العبد، ثم يزيد الإيمان بعد ذلك اكتسابا بتعلم القرآن والسنة، وتأتي أهمية الأمانة من أنها إذا تمكنت من قلب العبد؛ قام بأداء ما أُمِر به واجتنب ما نُهِي عنه في بكل طواعية وتسليم.

وفي الشطر الثاني من الحديث أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الإيمان يُنزع كذلك من القلب، فمن القلب الزيادة ومنه النقصان، وفيه نشأة الخير ومولد الشر، ولو لم يكن للقلب من فضل إلا أنه وعاء الإيمان لكفاه وفضل عليه.

والقلب كذلك هو وعاء التقوى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «التقوى هاهنا» [حسنه الألباني]، وأشار إلى صدره، علامة على أن مكان التقوى هو القلب، والقلب وحده، فليست التقوى مجرَّد نبرة خشوع أو دمعة عين أو إطالة سجدة أو غير ذلك من المظاهر إذا كانت فارغة من الروحانية والخشوع، إنما هي سِر قلبي مستودع في القلب لا يطلع عليه أحد إلا الله.

7- هشاشة المصاب:

قال ابن القيم: "ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة ونحو ذلك، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقدر على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته" (إغاثة اللهفان:ص24)

فمريض القلب أي نفحة هواء أو هبة تراب تصيبه في مقتل، وأي شهوة عابرة أو زلة تتسبب في فتنته، وأعرى فخ للشيطان يسقط فيه، وأسهل مكيدة لعدوه يسارع إليها، والسبب في ذلك كله ضعف قلبه وانهيار أجهزة المناعى لديه.

8- السرطان:

أصعب المرض عدم معرفة المرض، وأصعب منه عدم معرفة أنك مريض، وأصعب وأصعب أن ترفض الاستماع إلى وصية الطبيب، وهذه ثلاثتها تجتمع في أمراض القلوب، فمرض القلب خفي قد لا يعرفه صاحبه؛ لذلك يغفل عنه، وأمراض القلوب هي سرطان الروح، وخطورتها في أنها كالمرض الخبيث تتسلل إليك دون أن تشعر، فلا ارتفاع حرارة ولا ضغط مرتفع ولا نزيف يؤلم أو جرح ينذر، لذا يمرض فيها الطب ولا ينفع.

قال لنا ابن القيم بعد أن زرناه في عيادته الربانية: "وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لاتؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته، وما لجرح بميت إيلام" (إغاثة اللهفان:ص83،84).

ومما يجعل مرض القلب أخطر من مرض البدن بكثير أن مرض القلب عذابه دائم بعد الموت لا ينقضي؛ بعكس مرض البدن الذي يُتخَلَّص منه بالموت، مما يجعل الاهتمام بأمراض القلوب أوجب، والسعي في علاجها أدعى.

إن ما يصيب البدن من أسقام في هذه الحياة يؤجر عليه الإنسان، أما ما يصيب القلب من أمراض فهو الإثم كله والهلاك كله في الحياة وبعد الممات، إنك إذا دخلت معركة فقتلك العدو الظاهر وسلبك حياتك لمت شهيدا، أما إذا غلبك العدو الباطن بأسلحة الشهوات والشبهات لمت حينئذ طريدا، وشتان عند الله ما بين شهيد وطريد، شتان شتان.

9- وحده مالك دوائه:

قال الله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:15]

هذه الآية تصف حال نفر من المنافقين امتلأت قلوبهم غيظاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علوه ونصره، فقال الله لهم: إن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة؛ فمن كان يظن من حاسديه وأعاديه أن الله لن يفعل ويغيظه أن يظفر نبينا بموعود الله له؛ فليستقص وسعه وليستفرغ جهده في إزالة ما في قلبه من غيظ بأن يفعل أقصى ما يستطيع فعله، ولو كان ذلك أن يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مدَّ حبلا إلى سماء بيته فشنق به نفسه، فإنه وإن فعل ذلك فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من غيظ، كلا والله فلن يذهب غيظه ولن يزول مرضه إلا أن يشاء الله، فالله وحده هو شافي الصدور ورافع وحر القلوب.

والمعنى:

•إذا كنت تعاني الكآبة والحزن واليأس والجزع، فهل تملك قوى الأرض جميعا أن تغيِّر من ذلك مثقال ذرة؟!
•إذا حيزت لك الدنيا بحذافيرها وصارت تحت قدميك؛ لكن امتلأ قلبك كمدا وغما فهل تهنأ من دنياك بشيء؟!
•إذا غرق قلبك في الشك والشبهات والزيغ والرِّيَب؛ فهل يملك نزع ذلك المرض من صدرك أحد من أهل الدنيا ما لم يشأ ربك؟!
•إذا رأيت نعيم الدنيا مقبلا على غيرك ومُعرِضا عنك، فممدت عينيك حسدا ولسانك حقدا وقلبك غلا، فهل يملك تطهيرك مما أنت فيه أحد غير الله؟!
•إذا أحب قلبك شهوة وأُشرِبها ومال إلى خطيئة وعشقها، فهل يملك أن يعدل قلبك المنكوس ويحيي فطرتك السليمة أحد سوى خالقه؟!
•إذا كره قلبك طاعة واستثقلها وملَّ المداومة عليها حتى كاد أن ينقطع، فهل يملك أحد أن يحبِّبك فيها ويدنيك منها سوى الذي حبب إينا الإيمان وزيَّنه في قلوبنا؟!

هذا ما أدركه مطرف بن عبد الله حين انخلع من رؤية عمله واعترف بقمة عجزه وغاية ضعفه وردَّ الفضل كل الفضل إلى الله وحده حين قال: "لو أُخرِج قلبي فجُعِل في يدي هذه اليسار، وجيء بالخير فجُعِل في هذه اليمنى، ثم قُرِّبت من الأخرى ما استطعت أن أولج في قلبي شيئا حتى يكون الله عز وجل يضعه" (مدارج السالكين:3/108)

إلى كل مريض:

يستطيع الإنسان أن يحرك رجله إن أراد أو يهوي بيده أو يرفعها، لكن هل يستطيع أن يفعل ذلك مع قلبه؟! كلا والله.. فكيف تتعامل مع قلب لا سلطان لك عليه بل لا سلطان عليه إلا الله، ولا معرفة لك بأسراره وكنهه بل لا يعرف ذلك إلا الله؟! ألا فليعلم كل من أراد علاج قلبه اليوم دون الاستعانة بربه أنه لن يزداد إلا مرضا، ألا وقل لطالبي الشفاء من عند غير الله: يا عظم خسرانكم، ألا قل للواقفين بغير بابه: يا طول هوانكم، ألا قل للمؤمَّلين لغير فضله: يا خيبة آمالكم، ألا قل للعاملين عند غيره: يا ضلال سعيكم.

من الذي يستطيع أن يحول بينك وبين الدواء ويمنع عنك الطاعة؟! ومن الذي يُبدِّل الأمن خوفا والجبن جرأة؟! ومن الذي يقلب الكره حبا والحب كرها؟!

أخي.. دواؤك عنده فلا تلتمسه عند غيره، وشفاؤك بيده فلا تُتعِب الأطباء معك، وإن من شيء إلا عنده خزائنه؛ وأنت تائه على أبواب الفقراء تتسول!!

↓ ↓ ↓ ↓ ↓ ↓ ↓ ↓ يتبع↓ ↓ ↓ ↓ ↓ ↓ ↓
Admin
Admin
متميزا
متميزا

عدد المساهمات : 59
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
العمر : 33
الموقع : لبنان

https://alfatat-elmouslima.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى